فصل: ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **


  ثم دخلت سنة سبع وعشرين وأربعمائة

  وفاة الظاهر

صاحب مصر فـي هذه السنة منتصف شعبان توفي الظاهر لإعزاز دين الله أبو الحسن علي ابن الحاكم أبي علـي منصور العلوي بمصر وعمره ثلاث وثلاثون سنة وكانت خلافته خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وأياماً وكان له مصر والشام والخطبة بإفريقية‏.‏

وكان جميل السيرة منصفاً للرعيـة ولمـا مات ولى بعده ابنه أبو تميم معد ولقب بالمستنصر بالله ومولده سنة عشرين وأربعمائة وهذا المستنصـر هـو الـذي خطـب له ببغداد على ما سنذكره في سنة خمسين وأربعمائة إن شاء الله تعالى وهو الذي وصل إليه الحسن بن الصباح الإسماعيلي وخاطبه في إقامة دعوته بخراسان وبلاد العجم وقال له‏:‏ إن فقدت فمن الإمام بعدك فقال المستنصر‏:‏ ابني نزار‏.‏

فتح السويداء كان الروم قد أحدثوا عمارتها واجتمع إليها أهل القرى المجاورة لها فسار إليها ابن وثاب وابن عطية مع عسكر كثيف من عند نصر الدولة بن مروان وفتحوا السويداء عنوة‏.‏

مقتل يحيى الإدريسي فـي هـذه السنة أعني سنة سبع وعشرين وأربعمائة قتل يحيى بن علي بن حمود حسبما تقدم في سنة سبع وأربعمائة ولما قتل يحيى تولى بعده أخوه إدريس بن علي بن حمود وتلقب بالمتأيد واستقـر بمالقـة حتـى توفـي فـي سنـة إحـدى وثلاثيـن وأربعمائـة ثـم ملـك بعـده أخـوه القاسـم بـن محمد ابن عم إدريس المذكور وبقي القاسم مدة ثم ترك الملك وتزهد فملك بعده الحسن بن يحيـى ابـن علـي بـن حمـود وتلقـب الحسـن المذكـور بالمستنصـر وبقـي فـي الملـك حتـى توفـي ولـم يقـع لي تاريخ وفاته ثم ملك بعد الحسن المذكور أخوه إدريس بن يحيى وتلقب بالعالي وكان العالي المذكور فاسد التدبير وكان يدخل الأراذل على حريمه ولا يخببهن منهم وسلك نحو ذلك من السلـوك فخلعـه النـاس وبايعـوا ابـن عمه محمد بن إدريس بن علي بن حمود فاستقر محمد المذكور في الملك وتلقب بالمهدي وأسمك ابن عمه العالي وسجنه وبقي محمد المهدي المذكور حتى توفي في سنة خمس وأربعين وأربعمائة‏.‏

وكان المهدي المذكور آخر من ملك منهم تلك البلاد وانقرضت دولتهم في السنة المذكورة أعني سنة خمس وأربعين وأربعمائة وقيل بل إن العامة أخرجوا العالي بعد موت محمد المهدي وملكوه فلما مات انقرضت دولتهم وفي أيـام خلافـة المهدي محمد بن إدريس المذكور قام من بني عمه شخص اسمه محمد بن القاسم بن حمود بالجزيرة الخضراء وتلقب محمد بن القاسم المذكور بالمهـدي أيضـاً واجتمعـت عليـه البرابـر ثـم افترقوا عنه فمات بعد أيام يسيره وقيل مات غماً ولما مات محمد بن القاسم المذكور بن حمود وهو آخر من ملك منهم الجزيرة الخضراء انقرضت ملوكهم‏.‏

وفي هذه السنة أعني سنة سبع وعشرين وأربعمائة توفي رافع بن الحسين بن معن وكان حازماً شجاعاً وكانت يده مقطوعة قطعت غلطاً في عربدة على الشرب وله شعر حسن فمنه‏:‏ لها ريقة أستغفر الله إنها ألذ وأشهى في النفوس من الخمر وصارم طـرف لا يزايـل جفنـه ولم أر سيفاً قط في جفنه يفري فقلت لها والعين تحدج بالضحى أعدي لفقدي ما استطعت من الصبر أليـس من الخسران أن لياليا تمر بلا وصل وتحسب من عمري وفيهـا وقيـل فـي سنـة سبـع وثلاثيـن وأربعمائـة توفـي أبـو إسحـاق الشيـخ أحمـد بن محمد بن إبراهيم الثعلبـي ويقـال الثعالبـي وكـان أوحـد زمانـه في علم التفسير وله كتاب العرائس في قصص الأنبياء عليهم السلام وله غير ذلك وروى عن جماعة وهو صحيح النقل‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وأربعمائة

فيها توفي أبو القاسم علي بن الحسين بن مكرم صاحب عمان وقام ابنه مقامه‏.‏

وفيها توفي مهيار الشاعر وكان مجوسياً فأسلم سنة أربع وتسعيـن وثلاثمائة وصحب الشريف الرضي فقال له أبو القاسم بن برهان‏:‏ يا مهيار قد انتقلت بإسلامك في النار من زاوية إلى زاوية فقال‏:‏ كيف‏.‏

قال‏:‏ لأنك كنت مجوسياً فصرت تسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شعرك فمن شعره من جملة قصيدة يذم فيها العرب قبل النبي صلى الله عليه وسلم قوله‏:‏ ما برحت مظلمة دنياكـم حتى أضاء كوكب في هاشـم نبلتم بـه وكنتـم قبلـه سـراً يموت في ضلوع كاتم ثم قضى مسلماً من ريبه فلـم يكـن مـن غدركـم بسالم نقضتـم عهـوده فـي أهله وجزتم عن سنن المراسم وقـد شهدتـم مقتـل ابن عمه خير مصل بعـده وصائـم وما استحل باغياً إمامكم يزيـد بألطف من ابن فاطم وها إلى اليـوم الظبـاء خاضبـة من دمهم مناسر القشاعم وأشعار مهيار المذكور مشهورة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن محمد ابن أحمد القدوري الحنفـي ولـد سنـة اثنتين وستين وثلاثمائة انتهت إليه رئاسة أصحاب أبي حنيفة بالعراق وارتفع جاهه وصنف كتابه المسمى بالقدوري المشهور ونسبته إلى القدور جمع قدر قال القاضي شمـس الديـن ابـن خلكـان‏:‏ ولا أعلـم وجـه نسبتـه إليهـا‏.‏

وفيها توفي الشيخ الرئيس أبو علي الحسن بن عبد الله بن سينا البخاري وكان والده من أهل بلخ وانتقل منها إلى بخارى في أيام الأمير نوح ابن منصور الساماني ثم تزوج امرأة بقرية أفشنة وقطن بها وولد له الشيخ الرئيس وأخوه بهاء وختم الرئيس القرآن وهو ابن عشر سنين وقرأ الحكمة على أبي عبد الله الناتلي وحل إقليـدس والمجسطـي واشتغـل فـي الطـب وأتقـن ذلـك كلـه وهـو ابـن ثمـان عشـرة سنـة وكـان ببخـارى ثم انتقل منها إلى كركنج وهي بالعربي الجرجانية ثم انتقل إلى أماكن شتى حتى أتى إلى جورجان فاتصل به أبو عبد الله الجورجاني أكبر أصحاب الشيخ الرئيس المذكور ثـم انتقـل إلـى الـري واتصـل بخدمـة مجـد الدولـة ابـن فخر الدولة أبي الحسن علي بن ركن الدولة حسن بن بويه ثم خدم شمس المعالي قابوس بن وشمكير ثم فارقه وقصد علاء الدولة بن كاكويه بأصفهـان وخدمـه وتقـدم عنـده ثـم إن الرئيـس المذكـور مـرض بالصـرع والقولنـج وتـرك الحميـة ومضى إلى همذان وهو مريض ومات بهمذان في هذه السنة وكان عمره ثمانياً وخمسين سنة ومصنفاته وفضائله مشهورة وقد كفر الغزالي ابن سينا المذكور وصرح الغزالي بذلك في كتابه الموسوم بالمنقذ من الضلال وكذلك كفر أبا نصر الفارابي ومن الناس من يرى رجوع ابن سينا إلى الشرائع واعتقادها وحكى الرئيس أبو علي المذكور في المقالة الأولى من الفن الخامس من طبيعيـات الشفـاء قـال‏:‏ وقـد صـح عنـدي بالتواتـر مـا كـان ببلاد جورجان في زماننا من أمر حديد لعله يزن مائة وخمسين منا نزل من الهواء فنشب في الأرض‏.‏

ثم نبا نبوة الكرة التي يرمى بها الحائط ثم عاد فنشب في الأرض وسمع الناس لذلك صوتاً عظيماً هائلاً فلما تفقدوا أمره ظفروا به وحملوه إلي وإلى جورجان ثم كاتبه سلطان خراسان محمود ابن سبكتكين يرسم بإنفاذه أو إنفاذ قطعة منه فتعذر نقله لثقله فحاولوا كسر قطعة منه فما كانت الآلات تعمـل فيه إلا بجهد وكانت كل آلة تعمل فيه تنكسر لكنهم فصلوا منه آخر الأمر شيئا فأنفذوه إليه ورام أن يطبـع منـه سيفـاً فتعـذر عليـه وحكـى أن جملـة ذاك الجوهـر كـان ملتئماً من أجزاء جاورشية صغار مستديرة التصق بعضها ببعض قال‏:‏ وهذا الفقيه عبد الواحد الجورجانـي صاحبـي شاهـد ذلـك كلـه‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع وعشريـن وأربعمائـة

فيها قتل شبل الدولة نصر بـن صالـح بـن مـرداس صاحـب حلب في قتاله لعسكر مصر الذين كان مقدمهم الدزيري على ما قدمنا ذكره في سنة اثنتين وأربعمائة وفيها هادن المستنصر بالله العلوي ملك الروم على أن يطلق خمسة آلاف أسير ليمكن من عمارة قمامة التي كان قد خربها الحاكم في أيام خلافته فأطلـق الأسـرى وأرسـل مـن عمـر قمامـة وأخـرج ملـك الـروم عليهـا أمـوالاً عظيمة جليلة‏.‏

وفيها توفي أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري صاحب التواليف المشهورة وكان إمام وقته ومن جملة تواليفه المشهورة‏:‏ يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر وكان مولده

  ثم دخلت سنة ثلاثيـن وأربعمائـة

فيهـا توفـي أبـو علـي الحسيـن الرخجـي وزيـر ملـوك بنـي بويـه ثـم تـرك الـوزارة وكـان فـي عطلتـه يتقـدم علـى الـوزراء‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو الفتـوح الحسـن بن جعفر العلوي أمير مكـة‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو نعيـم أحمـد بـن عبـد اللـه الأصفهانـي الحافظ والفضل بن منصور بن الطريف الفارقـي الأمير الشاعر وله ديوان حسن‏.‏

  ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة

فيها ملك الملك أبو كاليجار البصرة‏.‏

  أخبار عمان

لمـا توفـي أبـو القاسـم بـن مكـرم صاحـب عمـان ولـي بعـده ابنـه أبو الجيش وقد صاحب جيش أبيه علي بن هطال وكان أبو الجيش يحترم ابن هطال ويقوم له إذا حضر وكان لأبي الجيش أخ يقال له المهذب ينكر على أخيه أبي ابن الجيش قيامه لابن هطال وإكرامه فعمل ابن هطال دعوة للمهذب فلما عمل السكر في المهذب حدثه ابن هطال وقـال لـه‏:‏ إن قمـت معـك وملكتـك وأخرجت أخـاك أبـا الجيـش مـا تعطينـي فبـذل المهـذب لـه الإقطاعـات الجليلـة والمبالغـة فـي الإكرام فطلب ابن هطال خطه بذلك فكتبه المهذب وأصبح ابن هطال فاجتمع بأبي الجيش وعرفه أن أخاه المهذب يسعى في أخذ الملك منه وقال‏:‏ قد رغبني وكتب خطه لي وأخرج الخـط فأمـر أبـو الجيـش بالقبض على أخيه المهذب ثم قتله وبعد ذلك بقليل مات أبو الجيش وله أخ صغيـر يقـال لـه أبـو محمـد فطلبه ابن هطال من أمه ليجعله في الملك فلم تسلمه إليه‏.‏

وقالت‏:‏ ولدي غير ما يصلح أفتصل أنت بالملك فاستولى ابن هطال على عمان وأساء السيرة وبلغ ذلك الملك أبا كاليجار فأعظمه وأرسل جيشاً إلى عمان وخرجت الناس عن طاعة علي بن هطال فقتله خادم له وفراش واستفر الأمر لأبي محمد بن أبي القاسم بن مكرم في هذه السنة‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفي شبيب بن وثاب النميري صاحب الرقة وسروج وحران وفيها توفي أبو نصر موسكان كاتب إنشاء مسعود وولده محمود بن سبكتكين وكان من الكتاب المفلقين

  ثم دخلت سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة

ابتداء الدولة السلجوقية وسياقة أخبارهم متتابعة في هذه السنة توطد ملك طغريل بك وأخيه داود ابني ميكائيل بن سلجوق ابن دقاق وكان جدهم دقاق رجلاً شهماً من مقدمي الأتراك وولد له سلجوق فانتشأ وظهرت عليه إمارات النجابة فقدمه يبغو ملك الترك إذ ذاك وقوى أمره وصـار لـه جماعـة كثيـرة فتغيـر يبغـو عليـه فخاف سلجوق منه فسار بجماعته وبكل من يطيعه من دار الكفر إلى دار الإسلام وذلك لما قـدره الله تعالى من سعادته وسعادة ولده وأقام بنواحي جند وهي بليدة وراء بخارى - بجيم مفتوحـة ونـون ساكنـة ودال مهملـة - وصـار يغـزو التـرك الكفـار وكـان لسلجـوق من الأولاد‏:‏

أرسلان وميكائيل وموسى‏.‏

وتوفي سلجوق بجند وعمره مائة وسبع سنين وبقي أولاده على مـا كـان عليـه أبوهم من غزو كفار الترك فقتل ميكائيل في الغزاة شهيداً وخلف من الأولاد يبغو وطغريل بك وجغروبك داود ثم ارتحلوا ونزلوا على فرسخين من بخارى فأساء أمير بخارى جوارهم فالتجأوا إلى بغراخان ملك تركستان واستقر الأمر بين طغريل بك وأخيه داود أن لا يجتمعا عند بغراخان بل إذا حضر أحدهما أقـام الآخـر فـي البيـوت خوفـاً مـن الغـدر بهمـا واجتهـد بغراخـان على اجتماعهما عنده فلم يفعلا فقبض على طغريل بك وأرسل عسكراً إلى أخيه داود فاقتتلوا فانهزم عسكر بغراخان وكثر القتل فيهم وقصد داود موضع أخيه طغريل بـك وخلصـه مـن الأسـر ثم عادا إلى جند وأقاما بها حتى انقرضت الدولة السامانية وملك أيلك خـان بخـارا فعظـم عنـده محـل أرسلان بن سلجوق ثم سار أيلك خان عنها وبقي ببخارى علي تكين ومعه أرسلان بن سلجوق حتى عبر محمود بن سبكتكين نهر جيحون وقصـد بخـارى فهـرب علـي تكيـن مـن بخـارى وأمـا أرسلـان وجماعته فإنهم دخلوا المفازة والرمل واجتمعوا عن السلطان محمود فكاتب السلطان محمود أرسلان واستماله ورغبه فقدم أرسلان بن سلجوق عليه فقبضه السلطان محمود في الحال وكب خركاواته وأشار أرسلان الجاذب على محمود أن يغرق السلجوقية جماعة أرسلان المذكور في نهر جيحون فأبى فأشار بقطع إبهاماتهم بحيث لا يقدرون على رمي النشاب فلم يقبل محمود ذلك وأمر بهم فعبرا نهر جيحون وفرقهم في نواحي خراسان إلى أصفهان ووضع عليهم الخراج فجارت العمال عليهم وامتدت الأيدي إلى أموالهم وأولادهم فانفصل منهم جماعة عن خراسان إلى أصفهان‏:‏ وجرى بينهـم وبيـن عـلاء الدولـة بـن كاكويـه حـرب ثـم ساروا إلى أذربيجان وهؤلاء‏:‏ كانوا جماعة أرسلان بن سلجوق وبقي اسمهم هناك الترك العرية وبذلك سمـى كـل جماعتهـم وسـار طغريـل بـك وأخواه داود ويبغو من خراسان إلى بخارى فسار علي تكين بعسكره وأوقع بهم وقتل عدة كثيرة من جمائعهم فألجأتهم الضرورة إلى العود إلى خراسان فعبرا نهر جيحون وخيموا بظاهر خوارزم سنة ست وعشرين وأربعمائة واتفقوا مع خوارزمشاه هرون بن الطيطاش وعاهدهم ثم غدر بهم خوارزمشاه وكبسهم فأكثر خوارزم إلـى جهـة مـرو فأرسـل إليهـم مسعـود أب السلطان محمود جيشاً فهزمهم وجرى بين عسكر مسعود منازعة على الغنيمة وأدت إلى قتال بينهم وأشار داود بالعود إلى جهة العسكـر فعـادوا فوجـدوا الاختلـاف والقتـال بينهـم فأوقـع السلجوقيـة بعسكـر مسعـود وهزموهـم وأكثـروا القتـل فبهـم واستـردوا مـا كان أخذوه منهم وتمكنت هيبتهم من قلوب عسكر مسعود فكاتبهم السلطان مسعود واستمالهم فأرسلوا إليه يظهـرون الطاعـة ويسألونـه أن يطلـق عمـه أرسلـان بـن سلجـوق الـذي قبضـه السلطـان محمود فأحضر مسعود أرسلان المذكور إلى عنده ببلخ فطلبهم ليحضروا فامتنعوا فأعاده إلى محبسه وعـادت الحـرب بينهـم وهزموا عسكر مسعود مرة بعد أخرى وقوى أمرهم واستولوا على غالب خراسان وفرقوا النواب في النواحي وخطب لطغريل بك في نيسابور وسار داود إلى هراة وهرب عساكر مسعود وتقدموا من خراسان إلى غزنة وأعلموا مسعود بتفاقـم الحـال فسـار مسعـود بجميـع عساكـره وقيوله من غزنة اليهم إلى خراسان وبقي كل ماتبع السلجوقية إلى مكان ساروا عنه إلى غيره وطال البيكار على عسكر مسعود وقلت الأقوات عليهم وآخر ذلك أن السلجوقية ساروا إلى البرية فتبعهم مسعود بتلك العساكر العظيمة مرحلتين فضجرت العساكر من طول البيكار وكان لعسكر خراسان إذ ذاك ثلاث سنين في البيكار ونزل العسكر بمنزلة قليلـة الميـاه وكـان الزمـان حـاراً فجـرى بينهـم الفتـن بسبـب المـاء ومشى بعض العسكر إلى بعض في التخلي عن مسعود ووقع بينهم الخلاف فعادت السلجوقيـة عليهـم فانهزمـت عساكـر مسعـود أقبح هزيمة وثبت السلطان مسعود في جمع قليل ثم ولى منهزماً وغنم السلجوقية منهم ما لا يدخل تحت الإحصاء وقسم داود ذلك على أصحابه وآثرهم على نفسه وعاد السلجوقية إلى خراسان فاستولوا عليها وثبتت قدمهم بخراسان وخطب لهم على منابرها وذلك في أواخر سنة إحدى وثلاثين وأبعمائة وسنذكر باقي أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏

ولما انهزم عسكر مسعود من السلجوقية على ما ذكرنا وهرب مسعود وعسكره عن خراسان إلى غزنة فوصل إليها في شوال سنة إحدى وثلاثين و أربعمائة وقبض على مقدم عسكره شباوشي وعلى عدة من الأمراء وسير ولده مودود إلى بلخ ليرد عنها داود بن ميكائيل بن سلجـوق وكـان مسيـر مـودرد إلـى بلـخ فـي هذه السنة أعني سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وسار مسعود إلى بلاد الهند ليشتي بها على عادة والده وعبر سيحون فنهب أنوشتكين أحد قواد عسكره بعض الخزاين واجتمع إليه جمع وألزم محمداً أخا مسعود بالقيام بالأمر فقام على كره وبقـي مسمعـود فـي جماعة من العسكر والتقى الفريقان في منتصف ربيع الآخر من سنة اثنتين وثلاثيـن وأربعمائـة واقتتلـوا أشـد قتـال فانهـزم مسعـود وجماعتـه وتحصـن مسعـود فـي ربـاط فحصروه فخرج إليهم فأرسله أخوه محمد إلى قلعة كيدي وحمل مع مسعود أهله وأولاده وأمر بإكرامـه وصيانتـه ولمـا استقـر محمد بن محمود في إشبكتكين في الملك فوض مر دولته إلى ولده أحمـد وكـان فيـه خبـط وهـوج فقتـل عمـه مسعـود بـن محمـود فـي قلعـة كيـدي بغير علم أبيه ولما علم أبوه محمد بذلك شق عليه وساء ذلك وكان السلطان مسعود كثير الصدقة تصدق مرة في رمضان بألف ألف درهم وكان كثير الإحسان إلى العلماء فقصـدوه وصنفـوا لـه التصانيـف الكثيرة وكان يكتب خطاً حسناً وكان ملكه عظيماً فسيحاً ملك أصفهان والري وطبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الران وكرمان وسجستان‏.‏

والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور‏.‏

وأطاعه أهل البر والبحر‏.‏

ملك مودود بن مسعود وقتله عمه محمداً لما قتل مسعود كان ابنه مودود بن مسعود بخراسان في حرب السلجوقية فلما بلغه خبر قتل أبيه مسعود عاد مجداً بعساكره إلى خزنة ووقـع القتـال بينـه وبيـن عمـه محمـد فانهـزم محمـد وعسكره وقبض عليه مودود وعلى ولده أحمد وعلى أنوشتكيـن الـذي نهـب الخزائـن و أقـام محمد المذكور وكان أنوشتكين خصياً وأصله من بلخ فقتلهم وقتل جميع أولاد عمه محمد خلا عبـد الرحيـم وكذلـك قتـل كـل مـن دخـل فـي القبـض علـى والده مسعود ودخل مودود إلى غزنة في ثالث عشرين شعبان من هذه السنة واستقر الأمر لمودود بغزنة وسلك حسن السيرة وثبتت قدمه في الملك وراسله ملك الترك بما وراء النهر بالانقياد والمتابعة له‏.‏

وفي هذه السنة توفي المظفر محمد بن الحسن بن أحمد المروزي بشهر زور‏.‏

  ثم دخلت سنة ثلـاث وثلاثين وأربعمائة

فيها في المحرم توفي علاء الدولة أبو جعفر بن شهريار المعروف بابن كاكويه وكان شجاعاً ذا رأي وقام بأصفهان بعده ابنه ظهير الدين أبو منصور فرامرز وهو أكبر أولاده سار ولده كرشاسف بن علاء الدولة إلى همذان فأقام بها و أخذها لنفسه‏.‏

وفي هذه السنة ملك السلطان طغريل بك جرجان وطبرستان‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة أمر المستنصر العلوي أهل دمشق بالخروج عن طاعة الدزبري فخرجوا عليه وسـار الدزبـري إلـى حماة فعصي عليه أهلها فكاتب مقلد بن منقذ الكفرطابي فحضر إليه في نحو ألفي رجل من كفر طاب واحتمى به وسار عن حماة إلى حلب فدخلها وأقام بها مدة وتوفـي الدزبـري فـي منتصـف جمـادى الآخـرة مـن هـذه السنـة وقـد تقـدم ذكر وفاته في سنة اثنتين وأربعمائة وكان الدزبري يلقب بأمير الجيوش واسمه أنوشتكين‏.‏

والد زبري - بكسـر الـدال المهملـة والباء الموحدة وبينهما زاء منقوطة ساكنة وفي الاخر راء مهملة - هذه السنة إلى دزبر بن رويتم الديلمي ولما مات الدزبري في هذه السنة فسد أمر الشام وزال النظام وطمعـت العرب وخرجوا في نواحي الشام فخرج صاحب الرحبة أبو علوان ثمال ولقبه معز الدولة بن صالـح بـن مـرداس الكلابـي وسـار إلـى حلـب وملكهـا وعاد حسان بن مفرج الطائي فاستولى على فلسطين وقد تقدم ذكر مسيره إلى قسطنطينية وعوده في سنة اثنتبن وعشرين وأربعمائة‏.‏

وفيها سير الملك أبو كاليجار من فارس عسكراً إلى عمان فملكوا أصحاب مدينة عمان‏.‏

وفيهـا توفـي أبـو منصور بهرام الملقب بالعادل وزير الملك أبي كاليجار ومولده سنة ست وستين وثلاثمائة وكان حسن السيرة وبنى دار الكتب بفيروز آباد وجعل فيها سبعة آلاف مجلد‏.‏

  ثم دخلت سنة أربع وثلاثين وأربعمائة

فيها ملك السلطان طغريل بك خوارزم وكانت خوارزم من جملة مملكة محمود بن سبكتكين ثم صارت مسعود ابنه ونائبه فيها الطيطاش حاجب أبيه محمود ومات الطيطاش فولاها مسعود ابنه هارون بن الطيطاش ولقبه خوارزمشـاه ثـم قتـل هـرون قتله جماعة من غلمانه عند خروجه إلى الصيد فاستولى على البلد رجل يقال له عبد الجبار ثم وثب غلمان هارون على عبد الجبار فقتلوه وولوا البلد إسماعيل بن الطيطاش أخا هارون فسار شاه ملك بن علي وكان ملك بعض أطراف تلك البلاد فاستولى على خوارزم وهزم إسماعيل عنها ثم سار طغريل بك إلى خوارزم فاستولى عليها وانهزم شاه ملك عنها واستقـرت فـي ملـك طغريـل بـك فـي هـذه السنـة ثـم سار طغريل بك ستولى على الجبل في هذه السنة أيضاً‏.‏

الوحشة بين القائم وجلال الدولة فـي هـذه السنـة لمـا افتتحـت الجوالـي في المحرم ببغداد أخذها جلال الدولة وكانت العادة أن تحمل إلى الخلفاء لا يعارضهم فيها الملوك فأرسل القائم إلى جلال الدولة في ذلك مع أبي الحسن الماوردي فلم يلتفت جلال الدولة إليه فعزم القائم على مفارقة بغداد فلم يتم له ذلك‏.‏

غير ذلك من الحوادث في هذه السنة في رجب خرج بمصر رجل اسمه سكين وكان يشبه الحاكم خليفة مصـر فادعى أنه الحاكـم واتبعـه جماعـة يعتقـدون رجعـة الحاكـم وقصـدوا دار الخليفـة وقـت الخلـوة وقالوا‏:‏ هذا الحاكم فارتاع من كان بالباب في ذلك الوقت ثم ارتابوا به فقبضوا على سكين وصلب مع أصحابه‏.‏

  ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وأربعمائة

وفاة جلال الدولة وفـي هـذه السنـة فـي شعبـان توفـي جلـال الدولـة أبـو طاهـر بـن بهـاء الدولـة بـن عضـد الدولـة بن ركن الدولة بن بويه ببغداد وكان مرضه ورماً في كبده وكان مولده سنة ثلاث وثمانيـن وثلاثمائـة وملكـه ببغداد ست عشرة سنة وأحد عشر شهراً ولما مات جلال الدولة كان ابنه الملك العزيز أبو بكر منصور بواسط فكاتبه الجند فيما يحمله إليهم فلم ينتظم له أمر فسار يطلب النجدة وقصد الملوك مثل قرواش وأبي الشوك فلم ينجده أحد فقصد نصر الدولة بن مرران وتوفي عنده بميا فارقين سنة إحدى وأربعين وأربعمائة فلما لم ينتظم لابن جلال الدولة أمر كاتب الملك أبو كاليجار عسكر بغداد فاستقر الأمر لأبي كاليجار ابن سلطان الدولة بن بهاء الدولة بن عضد الدرلة ابن ركن الدولة ابن بويه وخطبوا له ببغداد في صفر سنة ست وثلاثين وأربعمائة‏.‏

غير ذلك من الحوادث فـي هـذه السنـة أعنـي سنـة خمـس وثلاثيـن وأربعمائـة فتـح عسكـر مـودود بـن مسعـود بـن محمـود عدة حصون من بلاد الهند وفيها أسلم من الترك خمسة آلاف خركاة وتفرقوا في بلاد الإسلام ولم يتأخـر عـن الإسلـام سـوى الخطـا والتتر وهم بنواحي الصين‏.‏

وفي هذه السنة ترك شرف الدولة ملك الترك لنفسه بلاد بلاساغون وكاشغر وأعطى أخاه أرسلان تكين كثيراً من بلاد التـرك وأعطي أخاه بغراخان أطرار وأسبيجاب وأعطى عمه طغان فرغانة بأسرها وأعطى علي تكين بخارى وسمر قند وغيرهما وقنع شرف الدولة المذكور من أهله المذكورين بالطاعة له‏.‏

وفي هذه السنة قطع المعز بن باديـس بإفريقيـة خطبـة العلوييـن خلفـاء مصـر وخطـب للقائـم العباسي خليفة بغداد ووصلت إليه من القائم الخلع والأعلـام علـى طريـق القسطنطينيـة فـي البحر‏.‏

  ثم دخلت سنة ست وثلاثين وأربعمائة

فيها خطب للملك أبي كاليجار في صفر ببغداد وخطب له أيضاً أبو الشوك ببلاده ودبيس بن مرثد ببلاده ونصر الدولة بن مروان بديار بكر وسار الملك أبو كاليجار إلى بغداد ودخلها في رمضان من هذه السنة وزينت بغداد لقدومه‏.‏

وفيها أمر الملك أبو كاليجار ببناء سور مدينة شيراز فبني وأحكم بناؤه ودوره اثنا عشر ألف ذراع في ارتفاع ثمانية أذرع وله أحد عشر باباً وفرغ منه في سنة أربعين وأربعمائة‏.‏

وفيها توفي الشريف المرتضي أبو القاسم أخو الشريف الرضي ومولده سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وولي نقابة العلويين بعده عدنان ابن أخيه الرضي‏.‏

وفيها توفي القاضي أبو عبد الله الحسين الصيمري شيخ أصحاب أبي حنيفة ومولده سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة‏.‏

وفيها توفي أبو الحسين محمد ابن علي البصري المعتزلي صاحب التصانيف المشهورة‏.‏

  ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وأربعمائة

فيها أرسل السلطان طغرلبك أخاه إبراهيم ينال بن ميكائيل فاستولى على همذان وأخذها من كرشاسف بن علاء الدولة ابن كاكويه واستولى على الدينور وأخذها من أبي الشوك ثم استولى على الصيمرة‏.‏

وفي هذه السنة توفي أبو الشوك واسمه فارس بن محمد بن عنان بقلعة السيروان ولما توفي غـدر الأكـراد بابنـه سعـدي وصـاروا مـع مهلهل بن محمد أخي أبي الشوك‏.‏

وفيها قتل عيسى بن موسى الهمذاني صاحب أربل قتله ابنا أخ له وملكا قلعة أربل وكان لعيسى أخ آخر اسمه سلـار بن موسى قد نزل على قرواش صاحب الموصل لوحشة كانت بين سلار وأخيه عيسى فلمـا بلغـه قتـل أخيـه سـار قـرواش إلى أربل ومعه سلار فملكها وتسلمها سلار وعاد قرواش إلى الموصل‏.‏

وفيها وقع الوباء في الخيل وعم البلاد‏.‏

وفيها توفي أحمد بن يوسف المنازي وزر لأبي نصر أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار بكر وترسل إلى القسطنطينية وكان من أعيان الفضلاء والشعراء وجمع المنازي المذكور كتباً كثيرة وأوقفها على جامع ميافارقين وجامع آمـد وهـي إلـى قريـب كانـت موجـودة بخزائـن الجامعيـن وكـان قـد اجتـاز في بعض أسفاره بوادي بزاعا فأعجبه حسنه فقال فيه‏:‏ وقانـا لفحـة الرمضاء واد وقـاه مضاعـف النبـت العميـم نزلنـا دوحـه فحنـا علينا حنـو المرضعـات علـى الفطيـم وأرشفنا على ظمأ زلالا ألذ من المدامة للنديم تـروع حصـاه حاليـة العـذارى فيلمـس جانـب العقـد النظيم والمنازي منسوب إلى مناز جهر مدينة عند خرتبرت وهي غير مناز كرد التي من عمـال خلاط‏.‏

  ثم دخلت سنة ثمـان وثلاثيـن وأربعمائـة

فيهـا ملـك مهلهـل بـن محمد عنان أخو أبي الشوك قرميسين والدينور بعـد مـا كـان قـد استولـى عليهمـا أخـو طغرلبـك علـى مـا تقـدم ذكـره‏.‏

وفـي هـذه السنـة توفـي عبـد اللـه بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين وكان الجويني إماماً في الشافعية تفقه على أبي الطيب سهل بن محمد الصعلوكي وهو صاحب وجه في المذهب وكان عالماً أيضاً بالأدب وغيره من العلوم وهو من بني ستبس بطن من طي‏.‏

  ثم دخلت سنة تسـع وثلاثيـن وأربعمائـة

فـي هذه السنة استولى عسكر الملك أبي كاليجار على البطيحة وأخذوها من صاحبها أبي نصر بن الهيثم وهرب ابن الهيثم إلى زبرب‏.‏

وفيها كان بالعراق غلاء عظيم حتى أكل الناس الميتة وببغداد حتى خلت الأسواق‏.‏

وفيها توفي عبد الواحد بن محمد المعروف بالمطرز الشاعر وأبو الخطاب الشبلي الشاعر‏.‏

وفيها مات بغراخان محمد بن قدرخان يوسف وقبض على أخيه عمر بن قدرخان يوسف وماتا جميعاً مسمومين في هذه السنة وكان قد ملك عمر المذكور في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة حسبما تقدم فسار شمس الملك طفقاج خان أبو إسحاق إبراهيم بن نصر أيلك خان من سمرقند وملك